سورة يونس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{فَكَذَّبُوهُ} يعني نوحا {فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ} أي: جعلنا الذين معه في الفلك سكان الأرض خلفاء عن الهالكين. {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} أي: آخر أمر الذين أنذرتهم الرسل فلم يؤمنوا.
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلا} أي: من بعد نوح رسلا. {إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بالدلالات الواضحات، {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} أي: بما كذب به قوم نوح من قبل، {كَذَلِكَ نَطْبَعُ} أي: نختم، {عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}.
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} يعني: أشراف قومه، {بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ} يعني: جاء فرعون وقومه، {الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ}.
{قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا} تقدير الكلام: أتقولون للحقِّ لما جاءكم سحر أسحر هذا، فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه. {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ}.
{قَالُوا} يعني: فرعون وقومه لموسى، {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} لتصرفنا. وقال قتادة: لتلوينا، {عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} الملك والسلطان، {فِي الأرْضِ} أرض مصر. وقرأ أبو بكر: {ويكون} بالياء، {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين.


{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ}.
{فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} قرأ أبو عمرو وأبو جعفر: {آلسحر} بالمدّ على الاستفهام، وقرأ الآخرون بلا مدٍّ، يدل عليه قراءة ابن مسعود {ما جئتم به سحر} بغير الألف واللام. {إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}.
{وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} بآياته، {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}.
{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى} لم يصدِّق موسى مع ما آتاهم به من الآيات، {إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} اختلفوا في الهاء التي في {قومه}، قيل: هي راجعة إلى موسى، وأراد بهم مؤمني بني إسرائيل الذين كانوا بمصر وخرجوا معه. قال مجاهد: كانوا أولاد الذين أرسل إليهم موسى من بني إسرائيل، هلك الآباء وبقي الأبناء.
وقال الآخرون: الهاء راجعة إلى فرعون. روى عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هم ناسٌ يسير من قوم فرعون آمنوا، منهم امرأة فرعون، ومؤمن آل فرعون، وخازن فرعون، وامرأة خازنه، وماشطته، وعن ابن عباس رواية أخرى: أنهم كانوا سبعين ألف بيت من القبط من آل فرعون، وأمهاتهم من بني إسرائيل فجعل الرجل يتبع أمه وأخواله.
وقيل: هم قوم نجوا من قتل فرعون، وذلك أن فرعون لما أمر بقتل أبناء بني إسرائيل كانت المرأة من بني إسرائيل إذا ولدت ابنا وهبته لقبطية خوفا من القتل، فنشؤوا عند القبط، وأسلموا في اليوم الذي غُلِبت السحرة.
قال الفراء: سُمّوا ذرية؛ لأن آباءهم كانوا من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل، كما يُقال لأولاد أهل فارس الذين سقطوا إلى اليمن: الأبناء، لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم.
{عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} قيل: أراد بفرعون آل فرعون، أي: على خوف من آل فرعون وملئهم، كما قال: {واسئل القرية} [يوسف- 82] أي: أهل القرية. وقيل: إنما قال: {وملئهم} وفرعون واحد؛ لأن الملك إذا ذكر يفهم منه هو وأصحابه، كما يقال: قَدِمَ الخليفة يُرادُ هو ومن معه. وقيل: أراد ملأ الذرية، فإن ملأهم كانوا من قوم فرعون. {أَنْ يَفْتِنَهُمْ} أي: يصرفهم عن دينهم ولم يقل يفتنوهم لأنه أخبر عن فرعون وكان قومه على مثل ما كان عليه فرعون، {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ} لمتكبر، {فِي الأرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} المجاوزين الحدّ، لأنه كان عبدًا فادّعى الربوبية.


{وَقَالَ مُوسَى} لمؤمني قومه، {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}.
{فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} اعتمدنا، ثم دعوا فقالوا، {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي: لا تُظهرْهُمْ علينا ولا تُهلكنا بأيديهم، فيظنوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغيانًا. وقال مجاهد: لا تعذبنا بعذابٍ من عندك، فيقول قوم فرعون: لو كانوا على الحق لما عُذِّبوا ويظنوا أنهم خير منّا فيُفتتنوا.
{وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ} هارون، {أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} يقال: تَبَوَّأ فلان لنفسه بيتا ومضجعا إذا اتخذه، وبوأته أنا إذا اتخذتُه له، {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} قال أكثر المفسرين: كانت بنو إسرائيل لا يصلون إلا في كنائسهم وبِيَعِهم، وكانت ظاهرة، فلما أُرسل موسى أمر فرعون بتخريبها ومنعهم من الصلاة فأُمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلوا فيها خوفًا من فرعون، هذا قول إبراهيم وعكرمة عن ابن عباس.
وقال مجاهد: خاف موسى ومَنْ معه من فرعون أن يصلوا في الكنائس الجامعة، فأُمروا بأن يجعلوا في بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة، يصلون فيها سرًّا. معناه: واجعلوا بيوتكم إلى القبلة.
وروى ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت الكعبة قِبْلَةَ موسى ومَنْ معه.
{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} يا محمد.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12